خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1432هجرية

الخميس، ١٠ أبريل ٢٠٠٨

الشيخ /ماهر عقل يعلمنا حيا وميتا

بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ /ماهر عقل يعلمنا حيا وميتا
بقلم :-صلاح سويلم شنان
إثر حادث أليم لقي ربه فضيلة الشيخ /ماهر عقل المربى الفاضل والعالم الرباني والمجاهد في سبيل الله بكلمته وبكل ما يملك،
وقد شيعه آلاف الإخوان المسلمين في موقف مهيب ومعبر عن صدق هذه الدعوة وصدق حملتها وعلمائها ودعاتهم من أمثال فضيلة الشيخ الرباني رحمه الله تعالى ،
وأثناء السير والمشاركة في جنازة الشيخ رحمه الله تذكرت قولا مشهورا للإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في رده على المبتدعة القائلين بخلق القرآن الكريم حيث قال رحمه الله (بيننا وبينهم الجنائز ) .
فشهد جنازته –رحمه الله – أكثر من مليون شخص – وحينما مات المبتدع ابن دؤاد ولم يصل على ابن أبي دؤاد إلى أربعة نفر فحسب.
نعم مقولة صدق قالها عالم رباني كانت مترجمة ترجمة حقيقة في جنازة شيخنا وعالمنا رحمه الله تعالى.
ففي وقت قليل بمجرد أن علم الناس بوفاة الشيخ رحمه الله تعالى، إذا بالوفود تتوالى من كل أنحاء البلاد، لتشهد جنازة هذا العالم الرباني ،
وتلقى نظرتها الأخيرة على رجل طالما صدح بالحق، وصدع به وعاش له وبه،
كثير ممن شاركوا في جنازة الشيخ لم يلتقوا به ،ولم يتعرفوا عليه عن قرب، ولكنهم التقوا به عن طريق علمه وجهاده، وشاهدوا صولاته وجولاته في مجلس الشعب، وكيف كان بحق فارسا للكلمة ،
وكيف كان يقف كالطود الشامخ في مواجهة الباطل والمفسدين ومدافعا عن الحق .

وكان السؤال الملح أثناء السير في جنازة شيخنا -رحمه الله- ما السر في تجمع هؤلاء ؟ كيف تجمعوا بهذه السرعة ؟ومن الذي جمعهم ؟ وما الذي جمعهم ؟
كانت الإجابة كبيرة على هذا السؤال .
فالذي جمع هذه الحشود هو الله تعالى (
لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )
وجاءت هذه الحشود لتكون السنة الحق التي تشهد للشيخ انه عاش مجاهدا ومات ومجاهدا .
عن الحسن : قال )
مرت جنازة برسول الله صلى الله عليه وسلم فأثني عليها بخير حتى تتابعت الألسن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت قال ومرت به جنازة فأثني عليها بشر حتى تتابعت الألسن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله قلت في الجنازة الأولى حيث أثني عليها خيرا وجبت وقلت في الثانية كذلك فقال : هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم شرا فوجبت له النار إنكم شهود الله في الأرض مرتين أو ثلاثا (
فجاء الشهود من كل حدب وصوب ،جاء حملة كتاب الله تعالى أهل القران الذين هم أهل الله وخاصته، جاء العلماء العاملون والربانيون ، جاء قادة الإصلاح في هذه الأمة، وجاء شبابها الطاهر النقي ليشهدوا جميعا لشيخنا رحمه الله تعالى ، ويثنوا عليه بالخير فتجب له الجنة بإذن الله تعالى وبرحمته سبحانه وتعالى.
جاءت الشهود لترث المهمة ،وتتسلم الراية ممن حملها ،وسار بها وجاب بها البلاد طولها وعرضها
في مصر وأمريكا وكثير من بلاد العالم.
حمل راية الدعوة ولم يفرط فيها يوما من الأيام، حتى جاءت هذه الشهود لتتسلمها بحقها ، وكما قال الله تعالى (
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )
وهذه هي دعوتنا وما ميزها الله من خصائص ، إذا ذهب منها ماهر قام بعده ألف ماهر يرثون المهمة ،
ويرثون العلم والأخلاق الفاضلة ويمضون في طريق الحق لا يخافون في الله لومة لائم.

جاءت هذه الشهود لتكون لطمة فى وجه كل ظالم أو مستبد يريد أن يفض الناس عن الرسالة الحق، وعن منهج الله تعالى الذي ارتضاه الله لنا ،
لتكون لطمة في وجه كل من أراد أن يفض الناس عن هذه الدعوة المباركة التي امتدت جذورها في أعماق أعماق الأرض، وصعدت أغصانها إلى عنان السماء، وآتت أكلها بإذن ربها، ومازالت تؤتى أكلها بإذن ربها ،
وترد على كل ناعق ينعق بالباطل ،ويدعى زورا وبهتانا أن هذه دعوة أو جماعة محظورة
أو غير شرعية .
فجاءت الشهود لتعطى الشرعية الحقيقية لهذه الدعوة المباركة ،وتنزع الشرعية عن كل من أراد أن ينال من هذه الجماعة المباركة .

وهذه هي طبيعة دعوتنا، أن قادتنا وعلماءنا نتعلم منهم أحياء وأمواتا، بل هي طبيعة رسالتنا العظيمة ،
ويبقى أثرهم حتى بعد مماتهم يؤثرون ويتأثرون،
يؤثرون في الأجيال التي تأتى من بعدهم بمواقفهم وثباتهم على الحق ولقاءهم ربهم وهم على ذلك ،
ويتأثرون ويفرحون بمن يمضى في طريقهم الذين سلكوه من قبل فهو طريق الحق ،
ولتقرأ معى هذا الحديث العظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله عز وجل : أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله هذه الآيات { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } وما بعدها ) . راجع تفسير ابن كثير

يقول الأستاذ سيد قطب : » إنها تعديل كامل لمفهوم الموت - متى كان في سبيل الله - وللمشاعر المصاحبة له في نفوس المجاهدين أنفسهم , وفي النفوس التي يخلفونها من ورائهم . وإفساح لمجال الحياة ومشاعرها وصورها , بحيث تتجاوز نطاق هذه العاجلة , كما تتجاوز مظاهر الحياة الزائلة . وحيث تستقر في مجال فسيح عريض , لا تعترضه الحواجز التي تقوم في أذهاننا وتصوراتنا عن هذه النقلة من صورة إلى صورة , ومن حياة إلى حياة ! « .

وبعد أن شارك الآلاف في تشييع الشيخ رحمه الله تعالى وتقبله الله في عباده الصالحين(
مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا )
كانت هذه لحظة من أصعب اللحظات التي مرت بي.
إذ نظرت إلى الآلاف وهى تذهب تاركة الشيخ- رحمه الله- ولم يبق معه أحد حتى أولاده،
فقلت كيف ستقضى شيخنا الفاضل أول ليلة لك في قبرك؟
لقد آن لك أن ترتاح من الدنيا وتعبها وعناءها إلى رحمة الله تعالى ،واليكم هذا الحديث الرائع :-
في يوم من الأيام مرت جنازة على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال عليه الصلاة والسلام لصاحب الجنازة مستريح أو مستراح منه فسألوا الصحابة ( رضي الله عنهم ) النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن قوله مستريح أو مستراح منه فقال النبي ) صلى الله عليه وسلم - :((( إن العبد المؤمن إذا مات استراح بالموت من عناء الدنيا وأما الفاجر إذا مات استراحت منه البلاد والعباد والدواب )) .
نعم والله لقد استراح شيخنا من ظلم واستبداد وفساد ،استراح من كل متاعب الدنيا وعناءها، وجاءت إليه لحظات السعادة الأبدية السرمدية التي ينتظرها كل مؤمن مجاهد صابر محتسب .
نسأل الله تعالى أن يلحقنا به على خير غير مبدلين ولا مغيرين، وأن لايفتنا بعده ،وألا يحرمنا اجره ، اللهم آمين .

1 التعليقات:

سمية-بنت البنا- يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المدون الفاضل . .. صيحة حق ..

رحم الله شيخنا ومربينا ..
ورزقه اللهم الفردوس الاعلي من الجنة ..

رحل الشيخ..
ولكن ما زالت ذكراه في قلوبنا ..


بوركتم اخانا ..

.صيحة حق © 2008 | تصميم وتطوير حسن