خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1432هجرية

الأحد، ٢٧ يناير ٢٠٠٨

حصار غزة بين المحنة والمنحة

حصار غزة بين المحنة والمنحة
بقلم :- صلاح سويلم شنان

برغم الألم الذي يعتصر القلوب، والحزن الذي يملؤها بسبب ما يحدث لأحبابنا في غزة من حصار ظالم وجبان من قبل أعداء الإنسانية من الصهاينة والأمريكان .
يفرض هذا الحصار على إخواننا في غزة بسبب اختيارهم لمشروع الممانعة والمقاومة، وانحيازهم للمشروع الإسلامي الذي يحقق العزة والكرامة لهذه الأمة، ويسترد كل الحقوق المسلوبة والمغتصبة من قبل أعداء الأمة على اختلاف مشاربهم .
اختار الشعب الفلسطيني في غزة - بحريته وإرادته - حركة المقاومة الإسلامية حماس ، لأنها تمثل هذا المشروع .
ولأنها برهنت على صدق تبنيها لهذا المشروع بتقديمها للشهداء، وتضحيتها العجيبة، وصمودها المذهل في وجه العدو الصهيوني الغاشم ،ومقاومتها الباسلة والتي أذهلت أعداء الله تعالى.
ولهذا انحاز إليها الشعب وأيدها دون سواها من حركات ومنظمات باعت القضية الفلسطينية ،وفرطت في الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني ،واختارت مشروع الاستسلام والتنازل عن كل الحقوق، مقابل سحق المقاومة وكل من يساندها .
نعم انحاز الشعب الفلسطيني إلى مشروع المقاومة والممانعة،
فكان لابد أن يعاقب حتى لا يعود إلى مثلها أبدا، ويرضى بالذل والهوان ويتنازل عن حقوقه وثوابته التي ضحى من أجلها منذ مئات السنين .
فرض هذا الحصار من قبل الصهاينة والأمريكان وكل أعداء الأمة وكل من يريد أن يركعها ويخضعها ويذلها،
ولو أن الحصار فرض فقط من هؤلاء لكان الأمر هينا ،ولكن أيضا استجاب للسادة الصهاينة والأمريكان –سادة الأذلاء والنذلاء والخونة والعملاء --- كل عميل وخائن ، فكان الحصار عالميا يمارسه العالم كله بقيادة أمريكا والصهاينة،
واشتد الحصار على الأحبة في غزة وبلغ الظلم مداه،
ولم يتحرك المجتمع الدولي، ولا العربي ولا الإسلامي ، مات الضمير، وماتت القلوب ،ونظروا بعين جامدة وقلب قاسى إلى الضحية وهى تذبح أمام أعينهم ولم يتحرك ساكن ،
حتى الدول العربية والإسلامية لم تتحرك فيها النخوة وتنصر أبنائها في غزة ،

ورغم هذه الشدة وهذا الكرب وجدنا من الأحبة في غزة عجبا ،
وجدنا صبرا عجيبا في مواجهة المحن، وثباتا على الحق ، وتضحية بالنفس والنفيس والمال والولد، واحتساب كل هذا عند الله تعالى - الذي لا يضيع اجر الصابرين المحتسبين، ولا يتخلى أبدا عن أولياءه ولا يتركهم وحدهم في مواجهة أعداءه ،
فإذا بالحصار الظالم والجبان والذي كانت ومازالت له آثاره المدمرة والسيئة يجنى من خلفه الفلسطينيون الفوائد.
وهذه الفوائد ليست قاصرة على الأحبة في غزة وحدها ولكن أيضا استفادة الأمة
وإليكم يعض فوائد الحصار :-

* 1- إيقاظ الأمة
حاول أعداء الأمة منذ زمن بعيد أن يبعدوا أبناء الأمة عن همومها وآلامها وقضاياها الكبرى ،
لكنهم بفضل الله لم ولن يفلحوا أبدا بفضل الله تعالى أولا
ثم بمثل هذه الأحداث (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )
(ومكروا مكرا ومكرنا مكرا فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين )
لاحظنا هذا من خلال المظاهرات والوقفات التي نددت بهذا الحصار، وخرجت تعبر عن غضبها وألمها وعدم رضاها عما يحدث لإخوانهم في غزة، وتعاطفهم معهم، ومنددة أيضا بموقف الحكام المخزي ووقوفهم مكتوفي الأيدي إزاء ما يحدث لأهلنا في غزة ،وهم في نفس الوقت يمدون كل جسور الحب والمودة إلى العدو الذي يمارس هذا الحصار الظالم،
مظاهرات ومسيرات اجتاحت العالم الإسلامي كله مستنكرة ما يحدث ،
وبهذا نجد أن حصار غزة قد ساهم في إيقاظ الأمة من غفلتها، وساهم في إحيائها
2- احياء القضية الفلسطينية فى النفوس
القضية الفلسطينية هي قضية الأمة الكبرى والمحورية والمصيرية، وإحياءها في نفوس أبناء الأمة واجب متحتم على الجميع من علماء ودعاة وغيرهم ،
فجاء الحصار وساهم في إحياء القضية الفلسطينية في النفوس، وأنها هي القضية التي تجتمع عليها كل طوائف الأمة وشرائحها برغم اختلافاتهم الفكرية وانتماءاتهم الحزبية ،
إلا أن القضية الفلسطينية توحد أبناء الأمة في مواجهة العدو الحقيقي وهو الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية،
وفى مظاهرة التحرير التي شارك فيها الإخوان المسلمون وكافة القوى السياسية لخير دليل على ذلك .
3- *إحياء روح الجهاد والمقاومة لدى أبناء الأمة
الجهاد هو السبيل الوحيد لاسترداد الحقوق وتحقيق العزة والكرامة لهذه الأمة ، وإذا تخلت الأمة عن هذه الفريضة الماضية إلى يوم القيامة أذلها الله (وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا ) كما قال الحبيب (صلى الله عليه وسلم ) .
فكان حصار غزة سبب فى توعية الأمة وإحياء روح الجهاد في النفوس،
وخاصة الجهاد بالنفس والذي يضرب لنا المثل فيه أبناء حماس الأبطال الصامدين،
والجهاد بالمال ، وكان هذا واضحا وجليا من كل أبناء الأمة رجالا ونساء أطفالا وشيوخا ،
وخاصة عندما فتح معبر رفح واقتحمه الفلسطينيون ،
ورأينا حجم المساعدات التي قدمها أبناء الأمة لإخوانهم في غزة،
وكم كانت الفرحة والبسمة مرسومة على الوجوه، حينما زالت الحواجز بين أبناء الأمة، وكيف استقبل الأحباب إخوانهم، وكيف مدوا لهم يد العون ،
واقتناع الشعوب العربية والإسلامية أن مشروع المقاومة والممانعة هو الطريق الوحيد ولا طريق غيره ،مهما حاول المخادعون أن يخدعوهم أو يبعدوهم عن هذا الطريق،
ويقنعوهم بطريق المفاوضات وما يسمى بالحل السلمي وغيرها من هذه الترهات التي ما جنت الأمة من وراءها الا الذل والهوان ،
فضح المنافقين والعملاء
عند الشدة والابتلاءات تتضح معادن الناس، فيظهر الخبيث من الطيب، وهذا من فوائد الابتلاءات.
قال تعالى (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم )
الحصار بين للشعوب الإسلامية من هو معها ومع آمالها وطموحاتها ، ومن هو الذي ينحاز لها ضد أعداءها، ومن هو ضد مصالحها وضد أبناءها،
من هو الذي مد يد العون للأحبة فى ارض الرباط ، ومن هو الذي ساعد في تجويعهم ،
ففضح الحصار المنافقين والخونة والعملاء .

*الثبات على الحق طريق النصر
لم يتوقع احد من المحاصرين ولا غيرهم من أين يأتي الفرج ومن أين يأتي اليسر ،
المؤمنون والمجاهدون الصابرون المحتسبون يوقنون به لكنهم لا يتوقعون من أين ياتى،
جاء الفرج واليسر من حيث لا نحتسب ولا نتوقع ،
وكان هذا نتيجة للصبر والثبات على الحق والمبدأ، والتمسك بكامل الحقوق، وعدم التفريط فيها ،
رأينا هذا أثناء رحلة الحج ذهابا وإيابا، وأخيرا عندما اقتحم الفلسطينيون معبر رفح ،
وسمح المصريون بعبورهم إلى الأراضي المصرية والتقى الأحبة بعضهم مع بعض،
ولعلها تكون البداية إن شاء الله لأمر أفضل يريده الله تعالى للأحبة في أرض فلسطين ،

وبعد كل هذا لابد وان ندرك ونعلم علم اليقين أن النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، وان بعد العسر يسرا .
(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )

السبت، ١٢ يناير ٢٠٠٨

الهجرة وخطوات النبى(صلى الله عليه وسلم) نحو إقامة الدولة الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين
أما بعد:-
هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة في العام الثالث عشر من البعثة كانت بمثابة إعلان وقيام دولة الإسلام التي سعى الرسول(صلى الله عليه وسلم)وأصحابه رضوان الله عز وجل عليهم لتأسيسها وقيامها .
وكانت الهجرة إلى المدينة خطوة كبيرة ومهمة في تاريخ الدعوة الإسلامية سبقتها خطوات لاتقل عنها أهمية
بل هي تأسيسا لها ،
والهجرة مرحلة مهمة سبقتها مراحل تجاوزها النبي (صلى الله عليه وسلم)
فما كان للنبي (صلى الله عليه وسلم) أن يهاجر قبل أن يحقق هذه الخطوات وينجز هذه المراحل ،
ونحن إذ نسعى في هذه المرحلة لتأسيس الدولة الإسلامية والتي هي بطبيعتها مدنية إقتداء بالنبي (صلى الله عليه وسلم)،
لابد وأن نتعرف على بعض الأسس والقواعد التي أسس لها الحبيب (صلى الله عليه وسلم) والتي ربى عليها أصحابه رضوان الله عليهم .
ومن هذه الأسس
أولا :-عالمية الرسالة والدعوة
(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (0تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا )
فالرسالة والدعوة عالمية أعلنها الرسول (صلى الله عليه وسلم )من أول يوم صدح فيه بالدعوة ،
فلم تكن رسالته (صلى الله عليه وسلم)قطرية أو إقليمية وإنما للعالم أجمع بل تعدت إلى عالم الجن (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرءان فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين )
وهذه الرسالة العالمية تتميز بالشمولية فكان لابد من توضيح الأساس الثاني وهو
ثانيا :- شمولية الاسلام
وان الإسلام جاء لينظم كل مناحي الحياة فهو (نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء)

ولن تتحقق هذه المعاني في دنيا الناس وواقع الحياة إلا إذا آمنت بها مجموعة من البشر وحولتها إلى سلوك وواقع معاش ،
ثالثا :-فكان الاساس الثالث والمهم وهو بناء الانسان
وصياغته صياغة ربانية ، وكما يقولون (الانسان قبل البنيان )
فقبل أن يفكر الرسول (صلى الله عليه وسلم)في بناء الدولة كان تفكيره الأهم في بناء الإنسان الذي يستطيع أن يحمل الفكرة ويؤمن بها ويتحرك بها ويدعو إليها ويصبر على تبليغها ويضحى في سبيلها بكل ما يملك من نفس ونفيس لأنها عنده أغلى ما يملك ،
واستمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) في تربية ذلك الإنسان وإعداده قرابة الثلاث عشرة سنة ،
واستطاع الرسول (صلى الله عليه وسلم)أن يصوغ ويربى هذا الإنسان، ووجدت النماذج العظيمة في تاريخ الإسلام من أمثال أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، ومصعب بن عمير ، وصهيب الرومي ، والقعقاع بن عمرو ، وغيرهم وغيرهم (رضي الله عنهم أجمعين )
وهذا الجيل الرباني الذي صيغ هذه الصياغة الربانية العالية أدرك منذ البداية طبيعة الطريق وانه طريق الابتلاءات والمحن وهذا ما وضحه وبينه مؤسس الدولة الإسلامية الأولى رسولنا الحبيب (صلى الله عليه وسلم)

رابعا :-الأساس الرابع الوضوح
يقول تعالى (الم احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )
يقول الشهيد سيد قطب –رحمه الله (إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف ; وأمانة ذات أعباء ; وجهاد يحتاج إلى صبر , وجهد يحتاج إلى احتمال . فلا يكفي أن يقول الناس:آمنا . وهم لا يتركون لهذه الدعوى , حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم . كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به )
هذا ما ربى عليه رسولنا (صلى الله عليه وسلم) أصحابه
يأتيه خباب بن الأرت رضي الله عنه فيشتكى له شدة التعذيب والبلاء الذي وقع عليه فيقول رضي الله عنه ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببرد له في ظل الكعبة، فقلنا: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا..؟؟فجلس(صلى الله عليه وسلم)، وقد احمرّ وجهه وقال:قد كان من قبلكم يؤخذ منهم الرجل، فيحفر له في الأرض، ثم يجاء بمنشار، فيجعل فوق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه..!!وليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخشى الله الله عز وجل، والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون"..!!)
الأمر الآخر والمهم والذي أرساه الرسول (صلى الله عليه وسلم )في نفوس أصحابة رضوان الله عليهم ، التجرد والتضحية

خامسا :-الأساس الخامس التجرد والتضحية
لقد ربى الرسول (صلى الله عليه وسلم )جيل الصحابة رضوان الله عليهم على التجرد لهذه العقيدة، والتضحية في سبيلها وعدم النظر لأى مغنم أو مطمع دنيوي أو حظ من حظوظ النفس، وكما يقول الشهيد سيد قطب - رحمه الله تعالى- (فخلت نفوسهم من حظوظ نفوسهم ) ولم يخدعهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولم يمنهم أمنيات زائفة، وإنما كان جل ما يقويهم به ويصبرهم به هو أن يقول لهم (صبرا فان موعدكم الجنة ) قالها (صلى الله عليه وسلم) لأسرة عمار بن ياسر (رضي الله عنهم أجمعين ) وهم تحت وطأة التعذيب وشدته ، فصبروا وتحملوا العذاب متجردين لله تعالى مضحين بكل ما يملكون مستعذبين هذا العذاب طالما انه يحقق رضا الله تعالى،
ونماذج التضحية في جيل الصحابة رضوان الله عليهم لا تحصى ولا تعد وكل واحد منهم يعد مثالا يحتذي به ويقتدي في التجرد والتضحية،

وبعد أن صاغ الرسول ( صلى الله عليه وسلم) هذا الجيل هذه الصياغة الربانية ورباهم على هذه المعاني الطيبة
واعدهم لهذه المهمة الجليلة --مهمة إقامة الدولة الإسلامية الاولى –
تحرك الرسول( صلى الله عليه وسلم ) لإتمام هذه المهمة واختيار المكان المناسب ليشهد ميلاد دولة الإسلام الأولى
فكان التخطيط للهجرة
وهذا يحتاج إلى مقال آخر آن شاء الله تعالى .
.صيحة حق © 2008 | تصميم وتطوير حسن